25/11/2009

اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة

اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة

يمثل الخامس والعشرون من نوفمبر من كل عام مناسبة هامة من أجل التذكير بضرورة وقف العنف ضد المرأة.
وتأتي أهمية هذه المناسبة السنوية من تحول العنف ضد المرأة إلى سلوك يومي ومعتاد في الكثير من دول العالم. فالكثير من الثقافات تتسامح مع هذه النوعية من العنف ضد المرأة بوصفها الكائن الأضعف من ناحية، والأقل أهمية مقارنةً بالرجل من ناحية أخرى.

وتساعد تلك الحالة من التسامح تجاه العنف في استشرائه وتنوع أساليبه وتجلياته المختلفة، كما أنها تحيل هذه النوعية من العنف إلى سلوك عادي ومقبول، إن لم يكن مبرر اجتماعيا.

وتأتي أهمية هذا اليوم العالمي من كونه يعيد الانتباه إلى ممارسات العنف المستمرة ضد المرأة، كما أنه ينقل هذا الانتباه من مستوياته المحلية والإقليمية الضيقة إلى مستوياته العالمية الشاملة. ويشير تقرير الأمم المتحدة الخاص بأشكال العنف المختلفة الممارسة ضد المرأة إلى وجود ثلاثة سياقات عامة كونية ينتشر من خلالها العنف تشمل:

النزعة الأبوية وعلاقات السيطرة والتبعية الأخرى، وثقافة العنف ضد المرأة، والتفاوتات الاقتصادية التي تواجهها. فالنزعة الأبوية، سواء بمعناها الحرفي أو المجازي تبرر للبعض كافة أشكال السيطرة على المرأة بما فيها التحكم المعنوي والفيزيقي على مجريات حياتها.

وتؤدي تلك النزعة الأبوية بالتالي للسياقين التاليين وهما تبني ثقافة العنف بوصفها منهجية منظمة ومستمرة ضد المرأة، إضافة إلى القبول المجتمعي والتشريعي للتفاوتات الاقتصادية التي تواجهها المرأة في كافة ممارساتها الحياتية اليومية، وبشكلٍ خاص تجاه الرجل.

إن أهم ما يشير إليه تقرير الأمم المتحدة هو أشكال العنف المختلفة التي تمارس ضد المرأة. واللافت للنظر هنا أن محور ممارسات العنف ضد المرأة في كافة أنحاء العالم، يتم من خلال الوضعية الخاصة بجسدها. فمن المعروف عادة أن العنف يتم ضد الجسد سواء بالنسبة للرجل أو للمرأة أو حتى بالنسبة للأطفال، لكنه بالنسبة للمرأة يتم من خلال الخصوصية التي يتمتع بها جسد المرأة بوصفه مركزاً للقيمة والشرف والأخلاق من ناحية أو بوصفه مركزاً للاستمتاع والاستلاب والغواية من ناحية أخرى.

فهدر جسد المرأة يحمل قيمة خاصة أضافتها المجتمعات الإنسانية عبر تطوراتها التاريخية المختلفة على هذا الإطار الأنثوي الحامل للكائن المتعارف عليه بوصفة امرأة.

من هنا يأتي ذلك التنوع الهائل الذي يعرض له تقرير الأمم المتحدة لأشكال العنف الممارسة ضد المرأة في كافة أرجاء المعمورة.

أول أشكال العنف الممارس ضد المرأة تأتي من خلال العلاقات القائمة بين الشريكين الحميمين، أي بين الزوج والزوجة، أو أية أشكال علائقية أخرى. فالعنف ينتشر بدرجة كبيرة داخل الأسرة، حيث تتكبد المرأة أشكالاً عديدة من العنف المادي والرمزي، والعنف المنظور وغير المنظور.

فالمرأة في المجتمعات الفقيرة مطالبة بالعمل ليل نهار، كما أنها مطالبة بإمتاع الرجل في نهاية يوم مضن وشاق لها جسدياً ونفسيا، كما أنها مطالبة بإنجاب أكبر عدد من الأبناء، وأخيرا وفوق كل ذلك فإن عليها أن تتحمل كافة الإهانات وأشكال العنف المختلفة من الرجل وذويه.

ومن أخطر أشكال العنف الممارسة هنا أن تتحول المرأة داخل الأسرة إلى كائن ليس له قيمة، رغم الاعتماد الكامل للجميع عليه. تتحول المرأة هنا لماكينة وظيفتها الأساسية إشباع رغبات كافة أعضاء الأسرة من زوج وأبناء بدون أن يشعر الجميع بما تعانيه، وبدون أن تشعر هي نفسها بالظلم الهائل الواقع عليها.

حيث تستدمج المرأة ذاتها أشكال العنف المختلفة التي تتعرض لها، لتجد العديد من التبريرات للظلم الواقع عليها. وهناك علاقة طردية بين مستوى العنف الممارس ضد المرأة وحالتها الاقتصادية؛ فالعنف يزداد ضد المرأة الفقيرة أو التي لا تعمل.

حيث لا تجد مفراً سوى التعود على عنف الزوج والأسرة. من هنا فإن تقليل التفاوتات الاقتصادية بين الرجل والمرأة يمثل صمام أمان بدرجة كبيرة بالنسبة لتمكين المرأة على مواجهة أحوال العنف، وعدم التعود عليها أو قبولها.

يتجاوز العنف الواقع ضد المرأة في الأسرة ليشمل المجتمع برمته حيث يواجه جسدها كافة أشكال العنف المختلفة.

فجرائم الاغتصاب تتم في الكثير من مناطق العالم، ويتم تجاهلها من قبل العديد من القوانين والتشريعات، بل إنه في بعض المجتمعات يتم إلقاء اللوم على المرأة ذاتها وليس على الرجل المُغتصب. كما أن جرائم التحرش الجنسي تنتشر في الكثير من أماكن ومؤسسات العمل بدرجة كبيرة سواء في المجتمعات الغربية أو المجتمعات الشرقية.

وتكشف جرائم التحرش الجنسي عن ذلك النوع من العنف الممارس ضد المرأة لا لجريرة ارتكبتها سوى أنها تحمل هذا الجسد المحمل بكافة الإسقاطات والتفسيرات المغرضة من قبل الرجل. إن جرائم التحرش الجنسي تحمل في طياتها نوعاً من الابتزاز الهائل الذي يمارسه الرجل نظير الحصول على جسد المرأة، كما أنها تشتمل على ذلك النوع من المطاردات المجحفة والظالمة لحقوق المرأة في العمل بدون ابتزاز وبدون مضايقات.

طالما أنها تراعي السياق الاجتماعي الذي تعمل من خلاله. وأخيرا يأتي ذلك الشكل من الاتجار المباشر بجسد المرأة، وما يصاحب ذلك من ممارسات مختلفة وحديثة مرتبطة بالعولمة ونتائجها السلبية.

ومن اللافت للنظر أن المرأة تدفع ثمن امتلاكها لهذا الجسد مرتين، مرة من خلال الانتهاكات الجنسية التي تتعرض لها، ومرة أخرى من خلال التقدير الهائل لجسدها. فجرائم الشرف المنتشرة في الكثير من المجتمعات الشرقية تدفع المرأة حياتها ثمناً لها، بينما ينطلق الرجال أحرار سواء أكانوا مغتصبين أو قاتلين.

لا يبتعد الواقع العربي عن ذلك المناخ المدعم للعنف ضد المرأة، ورغم العديد من التطورات المختلفة التي حصلت عليها المرأة في العالم العربي، فإنها مازالت تدفع أثماناً باهظة للعنف الممارس ضدها.

فالكثيرون لا يرون من المرأة في عالمنا العربي سوى جسدها الذي إما أن يتم حجبه وتعليبه وتغييبه عن عيون الآخرين، أو يتم استغلاله وانتهاكه أو التحرش به.

ورغم الأدوار الرسمية للكثير من الحكومات العربية في مجال مكافحة ومناهضة جرائم العنف الموجه ضد المرأة، فما زالت بعض الحكومات تتساهل في مثل تلك الجرائم، وبشكلٍ خاص جرائم الشرف.

على الكثير من الحكومات العربية أن تراجع العديد من التشريعات المقيدة لحرية المرأة، وأيضاً تلك التشريعات التي تدعم التفاوتات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية الموجهة ضدها.

وفي هذا السياق لا بد من التأكيد على أن تلك التشريعات والتوجهات الحكومية الرسمية غير كافية بذاتها لوقف مسيرة العنف الموجهة ضد المرأة. فمن الضروري خلق مناخ مجتمعي ثقافي عام ينبذ ذلك العنف ويرى فيه وصمة في جبين المجتمع ككل وجوانبه المختلفة.

د. صالح سليمان عبدالعظيم

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire