21/01/2010

حوار مع الصحفي الفاهم بوكدوس

حوار مع الصحفي الفاهم بوكدوس

حاورته زكية الضيفاوي

على هامش الأيام الدراسية "فلنطالب بالكرامة" للفرع التونسي لمنظمة العفو الدولية التي انتظمت أيام 25 و 26 و 27 ديسمبر الجاري التقت "مواطنون" صحفي الحوار التونسي الفاهم بوكدوس، المعترض حديثا عن حكم صادر في حقه بستة سنوات نافذة على خلفية تغطيته الإعلامية لأحداث المناجم، وحاورته حول أطوار مقاضاته وخل��ياتها ونتائجها المحتملة، مثلما تطرقت للوضع المنجمي إبان الحراك الاجتماعي وبعد إطلاق سراح معتقليه مساء 04 نوفمبر الماضي.


– أثار توقيت اعتراضك جدلا في الأوساط الحقوقية والصحفية باعتباره قد تزامن مع تضييق أكبر لهوامش حرية التعبير والصحافة، فلماذا الآن بالذات؟

*إن الوضع العام المتردي وعدم التناسب في ردود أفعال السلطة تجاه الحراك المجتمعي وتفرد السلطة التنفيذية بكل القرارات الهامة والثانوية والرعوانية في تصريف الشأن العام لا تجعلنا نقبض بدقة على لحظات الانفراج، وهذا ما جعل تقديمي لاعتراض على حكم ظالم في حقي ينطلق أساسا من قناعتي بضرورة مواصلة عملي الصحفي وهو فعل لا يتم في السرية أو السجن وإنما في علاقة بحركة الشارع سواء كانت حرة أو مقموعة.حبي لرسالتي الإعلامية وحده من دفعني لمواجهة ذلك الحكم رغم الأخطار المحتملة....

– ولكن ألا تعتبر أن إطلاق سراح معتقلي الحوض المنجمي يمثل خطوة هامة نحو طي الملف نهائيا؟

*إن تسريح قادة الاحتجاج المنجمي وشباب الحركة الاجتماعية في أوائل نوفمبر الماضي في ظرف قياسي ورغم الأحكام القاسية في حقهم، يمثل خطوة لا يستهان بها في سبيل تنفيس الأوضاع بالجهة والإيحاء بإمكانية معالجة الأوضاع المعيشية للأهالي المفقرين، إلا أن عدم كف التتبعات في شأني وفي حق حسن بن عبد الله والفجراوي وشربيب وسجن مجموعة المظيلة يُبقي ��لملف السجني مفتوحا فما بالك بإرجاع المسرحين إلى سابق شغلهم ومقاومة الفقر والبطالة والتلوث والانهيار الصحي....

– هل يعني هذا أنك متشائم من مآل القضية؟

*إن شعور التفاؤل قائم الذات لا محالة نظرا للتمشي الحالي لسير ��لسات المحاكمة وليقيني التام بأنني لم أرتكب جرما أو تجاوزا طيلة تغطيتي الإعلامية لاحتجاجات المناجم لفائدة فضائية الحوار التونسي، حيث كنت ��ي المكان المناسب أؤدي عملا احترافيا ودقيقا وجديا كما لم تكن فصول الإحالة لتنطبق عليّ.


– هل يعني هذا أن هناك خلفية أخرى وراء محاكمتك؟

*بالتأكيد، فقد تزامنت الأشهر الطويلة لاحتجاجات سكان المظيلة وأم العرائس والمتلوي والرديف للمطالبة بالشغل وبتحسين مستوى عيشهم بصمت مطبق لوسائل الإعلام الرسمية وشبه الر��مية لا يتناسب مع مستوى الحدث ومع الدور الموضوعي لأي أجهزة إعلام وطنية مهما كان خطها التحريري، وهذا يعني أن هناك قرارا رسميا للتعتيم على ال��حداث وعدم الإخبار عن تطوراتها وحيثياتها فما بالك عن دوافعها الحقيقية ونوعية مطالبات السكان والوقائع الدراماتيكية التي رافقتها، ممّا يحي�� آليا على محاصرة مصادر الخبر والتضييق على وسائل الإعلام المستقلة.وشخصيا كانت لديّ معطيات مُؤكدة منذ شهر أفريل 2008 تتعلق بسيناريوهات الزج ب�� في السجن لإبعادي عن مواصلة تغطية تلك الأحداث، وهو ما جعلني لا أتفاجأ ببدء متابعتي الأمنية والقضائية في 05 جويلية 2008 .وقد جاءت محاكمة زكية ا��ضيفاوي ورشيد عبداوي ومحمود الرداوي لتؤكد منحى معاقبة من لهم أدوار صحفية وإعلامية في علاقة بانتفاضة المناجم.كما أن القاعدة الصحفية المعروفة التي تقول أنه زمن الأحداث الكبرى يكون الصحافيون أول الضحايا تأكدت بكل وضوح في حالتي حيث لا يمكن أن يمر حدث في مثل انتفاضة الحوض المنجمي دون أن يتعرض إعلاميون على عين المكان للتضييقات والمتابعات والمحاكمات، وهو برهان أساسي على أنّ ما تعرّضت له كان محض تلفيقات.

– إلى أيّ مدى كنت راضيا على حجم التضامن مع قضيتك؟


*لقد استفدت من حركة التضامن الهائلة وطنيا ودوليا مع أهالي الحوض المنجمي، كما لم تبخل عليّ كبرى الهيئات الصحفية الدولية بالمساندة على غرار لجنة حماية الصحافيين والفيدرالية الدولية للصحافيين ومراسلون بلا حدود.وإنّني أستغل هذه الفرصة لأحيي هاجر السموني المتعاونة السابقة مع مراسلون بلا حدود والباحثة في مركز الدوحة لحرية الإ��لام على المجهودات الجبارة التي بذلتها في سبيل التعريف بقضيتي ولإسنادي وإسناد زوجتي طيلة المحنة التي عشتها والتي تعكس إيمانا عميقا بروح ال��ضامن الصحفي ودفاعا مبدئيا عن حرية التعبير والتفكير وعن ضحاياها مهما كانت معتقداتهم.


– كيف تنظر للمشهد الإعلامي ببلادنا بعد 16 شهرا من الغياب؟


*لو تركنا جانبا فترة الثمانينات فإنّ كل السنوات المتبقية عرفت تضييقا للهامش الضئيل لحرية التعبير والصحافة نتيجة التخوفات المتزايدة من الأدوار المحتملة لرسالة الصحافة في فضح تعفن الأوضاع المجتمعيّة وتفتيح عيون ا��تونسيين على كلّ حقوقهم.وتُعتبر فترة ما قبل انتخابات أكتوبر 2009 وما بعدها من أقسى الفترات على الجسم الصّحفي كانت أهم تجلياتها كالآتي:

-الانقلاب على نقابة الصحافيين بعد محاصرة قاسية ومساومة على استقلاليتها.

–سجن الصحافيين بن بريك ومخلوف والاعتداء على آخرين على غرار سليم بوخذير.

–محاولة تصفية مؤسسات إعلامية مستقلة كراديو كلمة وراديو 6 و قناة الحوار التونسي.
–فتح الأبواب والتسهيلات أمام صحافة الدعارة لتقتات من كرامة ناشطات وناشطون حقوقيون وسياسيون وصحافيون...

–استغلال الوضع المادي والمعيشي لعدد من الصحافيين الشبان وتطويعهم في خدمة بروبجندا معادية لحرية الصحافة. غير أنّ هذا المشهد على تعاسته لا يمكن أن يغطّي على التطور الملحوظ للإعلام الحزبي والمستقل والإلكتروني وعلى حالة الالتفاف حول نقابة الصحاف��ين الشرعيّة، كم تمثل الهيئات واللّجان الصحفية الناشئة علامة على حيوية المشهد الإعلامي في بلادنا ويقظة نخبه تجاه سياسات تدجينه وتركيعه. وجدير بالتنويه أنّ هذه العلامات المضيئة لا يمكن أن تتدعّم دون تضامن صحفي جدّيّ وصلب يتجاوز السكتارية والزعاماتية والاصطفاف السياسي والوصاية والتمييز الفكري.


– هل لاحظت مع ظهورك بعد غياب خطوات ملموسة لفضّ المشاكل التي تسبّبت في اندلاع الاحتجاجات المنجمية؟

* إنّ معالجة الأوضاع المزمنة لسكّان المناجم تتطلّب مجهودات استثنائية بعد أكثر من نصف قرن من الإهمال والتمييز الاجتماعي والاقتصادي.ولقد ساهمت لجنة التفاوض في الرديف في إدماج أكثر من ألف عاطل في المناولات ومعالجة أوضاع العشرات من عمال البلدية والصّوقاز...كما حقّقت نضالات أهالي أم العرائس مكاسب شغلية هامة.��ير أنّ الأوضاع المعيشية لم تتغير بشكل كاف وجاءت فيضانات الرديف الأخيرة لتكشف عن هشاشة تدخل الدولة في تلك المناطق المتروكة.

المصدر: صحيفة "مواطنون"، لسان حال التكتل الديمقراطي للعمل والحريات، (أسبوعية معارضة – تونس)، العدد128ب��اريخ 18 جانفي 2010

المصدر : إعادة نشر منتدى" الديمقراطية النقابية و السياسية "

الرابط : http://fr.groups.yahoo.com/group/democratie_s_p


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire