29/01/2010

بعد الزيادة في سعر الحليب على مستوى الاستهلاك: المُستهلك يدفع ثمن أزمات قطاع الألبان والأعلاف وتربية الماشية

بعد الزيادة في سعر الحليب على مستوى الاستهلاك: المُستهلك يدفع ثمن أزمات قطاع الألبان والأعلاف وتربية الماشية

بعد مرور أيّام على قرار الحكومة الترفيع في سعر إنتاج الحليب الطّازج المُخصص لمراكز التجميع ووحدات التحويل ب30 مليما للتر الواحد انطلاقا من يوم 22 جانفي 2010 تحت عنوان تشجيع المربين على المحافظة على قطيع الماشية وتنميته أقرّت الحكومة الترفيع في لتر الحليب على مستوى الاستهلاك بزيادة قُدّرت ب60 مليما للتر الواحد وقد بلغ سعر لتر الحليب الطازج في أسواقنا منذ يوم الخميس 28 جانفي 2009، 1040 مليما بعد أن وصل سعر اللتر الواحد بعد الزيادة المُقرّة في 2009 ، 970 مليما، كما شملت الزيادة بعض مشتقّات الحليب المقدّمة في المقاهي .
هذا الإجراء يعني أنّ المُستهلك هو من سيتكفّل بتعويض الزيادة التي تمّ إقرارها على مُستوى الإنتاج وهو كذلك من سيعوّض الزيادة المفروضة على أصحاب مراكز تجميع الحليب مع فائض قد يصل الى 40 مليما، وبذلك يتواصل تحميل المستهلك لجميع أعباء الأزمات التي طالت منظومة انتاج الألبان وتربية الماشية خلال السنوات الأخيرة والتي انتهت باقرار زيادات دوريّة في الأسعار على مستوى الإنتاج الى جانب اضطرار المواطن الى استهلاك المنتوجات المورّدة التي تتحمل الحكومة أعباء دعمها .
- 1 ملامح الأزمة: العجز العلفي

منذ سنوات شهد قطاع انتاج الألبان في تونس مصاعب كثيرة تركّزت أساسا في تراجع كميات الحليب المنتجة نتيجة تقلّص حجم القطيع بعد أن عمد عدد كبير من المنتجين الى التفريط في قطعان الأبقار بالبيع بسبب الارتفاع المُشط في السعر العالمي للأعلاف وتراجع المساحات المخصصة لإنتاجه في تونس، إلى جانب انحسار مساحات المراعي الخاصة، وهو ما ادى بالضرورة الى تدني سعر الماشية بمُختلف أنواعها.
تضاعف الأسعار بين سنتي 2006 و2008 دفع عددا كبيرا من أصحاب القطعان المنتجة للحليب إما إلى التخلي النهائي عن هذا النشاط أو التقليص في عدد القطعان وتخفيض نسبة الأعلاف المقدّمة للأبقار المنتجة للحليب، وهو ما انتهى بتراجع إنتاجيتّها. وللحفاظ على مصادر الإنتاج أقدمت الحكومة في مناسبات عديدة على اقرار زيادات في سعر الحليب على مستوى الإنتاج كأجراء تحفيزي للفلاحين من أجل المُحافظة على نشاطهم، الا أن هذه الاجراءات عادة ما تنتهي باقرار زيادة في السعر على مستوى الاستهلاك.
ويتركّز الجزء الأهمّ من مصادر إنتاج الحليب في جهة الشّمال الغربي التي تحتكر نسبة 50 بالمائة من الإنتاج على المستوى الوطني نظرا لتوفّر المراعي ومساحات إنتاج العلف المحلي الذي لا يكفي حاجيات الجهة، أما النسبة المتبقية من الإنتاج فتتوفّر أساسا بجهتي صفاقس والمهديّة وهي مناطق تتميز بمناخ لا يسمح بإنتاج العلف المحلي بسبب شحّ كميّة التساقطات وانحسار المساحات المخصصة لزراعة العلف وهو ما جعل المختصين يطلقون على نشاط تربية الأبقار وإنتاج الحليب في هذه المناطق اسم "التربية خارج الإطار".
هذه المصاعب التي تواجه المربين في توفير الأعلاف لماشيتهم حتّمت على الدولة استيراد كميات كبيرة من العلف لسدّ حاجيات القطاع، وقد انعكس التهاب أسعار الأعلاف في الأسواق العالميّة على الأسعار في السوق المحليّة التي شهدت في عدّة فترات نقصا فادحا في سدّ طلبات الفلاّحين، وهو ما جعل تونس تعاني عجزا علفيّا متواصلا و تبعيّة دائمة الى الأسواق الخارجيّة.
وقد انعكست أزمة الأعلاف بصفة واضحة على منظومة الإنتاج التي شهدت ارتباكا كبيرا في السنوات الأخيرة حال دون تطوّر قطاع الألبان. وقد دفع النقص في الإنتاج والعجز عن سد حاجيات السوق المحلية من الحليب الى استيراد الدولة لكميات هامة من الخارج واضطرارها إلى دعم هذه المنتوجات الوافدة لتبلغ قيمة الدعم على اللتر الواحد من الحليب المستورد 500 مليما، وذلك رغم ثبوت تدنّ كبير في جودة بعض أنواع الحليب المستورد وخطورة بعضها خاصة على فئة الأطفال الأكثر استهلاكا لهذه المنتوجات.
- السّماسرة والمُجمّعات الخاصة يعمّقون الأزمة

يبلغ عدد مراكز تجميع الحليب في تونس 253 مركزا تقدّر طاقة استيعابها حسب الإحصاءات الرسميّة بـ 2 مليون لترا، وقد أقرت الحكومة مؤخّرا ربط منحة تجميع الحليب بكرّاس شروط يراعي مواصفات جودة المنتوج كما تمّ إخضاع مراكز التجميع ووحدات تصنيع مشتقات الحليب لشهادة المصادقة الصحيّة في مسعى يرمي إلى إجبار جميع المتدخّلين في عملية الانتاج والتصنيع على الالتزام بالمعايير الصحية.
وقد شهدت السنوات الأخيرة تدخّل الخواص في المنظومة واستثمارهم في مجال تجميع الحليب بعد أن كانت العمليّة حكرا على المُجمعات الحكوميّة (التعاضديات) والتي كانت توفّر جميع أشكال الدعم للفلاحين خاصة على مستوى توفير الأعلاف. الا أنّ دخول الخواص على خطّ الإنتاج وتحديدا في مستوى مراكز التجميع أدى إلى تراجع الدعم والحوافز المرصودة للمربيّن، كما تواصلت بالتوازي مع ذلك تشكيات أصحاب هذه المُجمّعات من العجز المالي الناجم عن تقلّص هامش الربح المتاح لهم نتيجة ارتفاع الأسعار على مستوى الإنتاج إلى جانب توسّع دوائر المنافسة بين المجمّعات الخاصة والدور السلبي الذي يلعبه سماسرة التجميع، وهم الحلقة الواصلة بين الفلاح وبعض المجمّعات حيث يعمدون إلى الترفيع في الأسعار ويمثّلون الحلقة المتطفّلة في منظومة الإنتاج.

أمّا نشاط السماسرة في تجارة الأعلاف فقد لعب دورا أساسيا في تغذية أزمة المربين بعد تعمّد عدّة شركات متخصصة في هذا النشاط إلى الترفيع المشط في أسعار الأعلاف المستوردة والانتفاع من الأزمة الراهنة التي تعصف بالقطاع. فقد تمّ غضّ الطرف على نشاط بعض السماسرة الذين يحتكرون سوق الأعلاف ويستغلون النقص الفادح في الكميات المتوفرة في السوق المحلية للتحكم في الأسعار وتكديس الأرباح على حساب الفلاحين ومربي المواشي.
3- كيف يمكن تطويق أزمة الأعلاف والألبان؟
يعتبر بعض المتدخّلين في منظومة إنتاج الألبان وتربية الماشية أنّ هناك إجراءات عاجلة يجب المُسارعة باتّخاذها لتطويق استفحال أزمة قطاع إنتاج الألبان في تونس وتتعلّق بتحفيز الفلاحين على تطوير إنتاج العلف المحلي وذلك بتوفير الدعم والتشجيع لأصحاب الأراضي على زراعة الأعلاف عن طريق منح استثمار أو توفير الأراضي الفلاحيّة المهمّشة لاستغلالها عن طريق الكراء لزراعة الأعلاف، وتحويل الدعم المرصود للحليب المستورد الى دعم العلف حتى يتوقّف المربون عن التفريط في قطعانهم بالبيع أو التقليص في الأعلاف المقدمة للأبقار المنتجة للحليب، والتي تنعكس بدورها على الانتاجيّة.
كما أصبح من الضروري التصدي لسماسرة تجارة الأعلاف بصفتهم مسؤولين عن موجات الارتفاع المشطّ للأسعار وتحكّمهم في مؤشّرات السوق، وذلك بالاشراف المُباشر للدولة على عمليّة توريد ومسالك ترويج الأعلاف في الأسواق للحيلولة دون تدخّل الوسطاء، ومن الضروري أن يقع تضمين جميع هذه الاجراءات في اطار خطّة وطنيّة شاملة للنهوض بقطاع انتاج الأعلاف.

توفيق العياشي /الطريق الجديد عدد 165/ من 29 جانفي الى 5 فيفري 2010


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire