26/01/2010

الموقف تكشف القصة الكاملة لتشريد سكان حي البراطل بحلق الوادي

الموقف تكشف القصة الكاملة لتشريد سكان حي البراطل بحلق الوادي

فوجئ سكان عمارة البارون ديرلانجي بحلق الوادي المعروفة بحي" البراطل" يوم 12 جانفي الجاري بأعداد كبيرة من أعوان التراتيب البلدية وقوات الشرطة تقتحم عليهم مساكنهم وتجبرهم على إخلائها تمهيدا لهدمها.

وكانت جرافات البلدية ومسؤولو الجهة ينتظرون عملية الإخلاء القسري (انظر الصورة)التي تعرضت لها 18 عائلة من سكان الحي الذين رفضوا اخلاء مساكنهم وتمسكوا بحقهم خاصة أنه لا يوجد أي قرار بالهدم ،كما أن العائلات تمتلك أحكاما من المحكمة الادراية والمحكمة الابتدائية بتونس تبطل قرار بلدية حلق الوادي بالهدم.

وكنا وعدنا في العدد الفارط من "الموقف" بنشر تفاصيل الأحداث التي شهدتها المنطقة وقد اتصلنا بعدد من العائلات ممن شردوا اثر هدم مساكنهم كما اتصل بنا بعضهم في مقر الجريدة و أمدونا بالمعلومات التالية . بداية الأحداث تعود إلى 20 أوت من سنة 2008 حين تلقت العائلات المالكة لمساكن عمارة البارون ديرلانجي برقية من السيد والي تونس يعلمهم فيها بأنه في تم وضع سكن من نوع اقتصادي 2 على ذمتهم بسانية الرمان بالكرم في إطار ما سماه نص البرقية بتسوية وضعية عمارة البارون ديرلانجي وقرار الهدم الصادر عن بلدية حلق الوادي" ونبهت البرقية الأهالي بضرورة إخلاء مساكنهم في أجل لا يتعدى الأسبوع .

غير أن أهالي "البراطل" قاموا بتكليف عدل تنفيذ توجه إلى البلدية في شخص ممثلها القانوني يوم 27 من نفس الشهر وسجل عليه عدم وجود أي قرار هدم صادر عن البلدية كما اعلمه برفض المتساكنين إخلاء مساكنهم وطالبه بمدهم بأصل القرار.

يومها لم يكن القرار قد صدر مثلما أكد ذلك الكاتب العام للبلدية للمتساكنين الذين اتصلوا به على عكس ما جاء في برقية السيد والي تونس الموجهة إليهم ولم يتلق عدل التنفيذ المكلف من الأهالي نص قرار الهدم إلا يوم 25 نوفمبر 2008 أي بعد ثلاثة اشهر من برقية الوالي ، واللافت في القرار الذي تلقاه عدل التنفيذ انه ممضى من قبل رئيس البلدية بتاريخ 21 اوت من نفس السنة، فهل كان الكاتب العام للبلدية يجهل وجود القرار حين اتصل به الأهالي يوم 27 من الشهر نفسه أم أن في الأمر حكاية أخرى؟

الوثائق التي أمدنا بها سكان " البراطل" تشير إلى أن قرار الهدم اتخذ بشكل رسمي اثر جلسة العمل التي انعقدت بمقر وزارة أملاك الدولة يوم 14 فيفري 2008 واشرف عليها رئيس ديوان وزير أملاك الدولة والشؤون العقارية بحضور رئيس بلدية حلق الوادي. محضر الجلسة المذكورة مثلما اطلعنا عليه يبدأ بتذكير بتاريخ المفاوضات مع الأهالي ويشير إلى تمسكهم برفض عرض الإدارة الترفيع في ثمن المتر المربع من 300 د إلى 500 د ثم ذكّر محضر الجلسة بوجود توجهين داخل الإدارة للتعامل مع هذا الوضع ، التوجه الأول يدعو إلى اللجوء إلى إجراءات الانتزاع للمصلحة العمومية بالنسبة للمالكين ، وهو توجه لا تسانده الإدارة العامة لنزاعات الدولة "لكون العقار في حالته الحاضرة لا يزال على ملك الدولة الخاص حسب سجلات الملكية العقارية لكون العقود المبرمة في التفويت في بعض الشقق غير قابلة للترسيم" حسب ما ورد في محضر الجلسة.أما التوجه الثاني فيدعم اللجوء إلى سلطة الضبط الإداري للبلدية في هدم البيانات المتداعية للسقوط بإصدار قرار بلدي في الغرض.

وأشار محضر الجلسة إلى أن الحاضرين اجمعوا على أن "التوجه الثاني هو الأنسب لكونه يوفر أساسا قانونيا لإخراج المالكين إضافة إلى كون النية تتجه لاستعماله كوسيلة ضغط فقط لإقناعهم بإعادة الإسكان بالشقق التي تم بناؤها للغرض". وفي ختام جلسة العمل المذكورة تم الاتفاق على أن تقوم البلدية بمكاتبة وزارة التجهيز والإسكان لإجراء اختبار للعمارة على أساسه يتم اصدار قرار الهدم.
وبدا الأمر بعد ذلك متجها إلى مزيد من التعقيد إذ تجاوز مرحلة الضغط التي أوصت بها الإدارة بعدما كلفت المحكمة الابتدائية بتونس بطلب من الأهالي المتضررين في شهر اكتوبر 2008 ثلاثة خبراء بمعاينة البناية وأصدروا تقريرا عن حالتها.

وجاء التقرير مخالفا لتوقعات البلدية والإدارة إذ أكد الخبراء أنهم لم يعاينوا أي مسكن متداع للسقوط يمثل خطرا على المتساكنين ويستوجب إخلاءه. ورغم هذا التقرير الايجابي لفائدة المتساكنين فان هؤلاء الأخيرين لم يكتفوا بذلك وكلفوا عدل تنفيذ اثبت تقرير المعاينة التي قام بها انه " رغم صدور قرار الهدم بتعلة التداعي للسقوط فان البلدية سمحت بمواصلة جميع نشاطات المحلات التجارية ومنها المطاعم ومأوى السيارات " وأشار محضر المعاينة إلى أن البلدية استغلت الجانب الأيمن للمأوى لتنظيم مهرجان للتسوق ضمن فعاليات الأيام الثقافية والتجارية بحلق الوادي في دورتها الأولى التي تمتد من 24 جويلية 2009 إلى 9 أوت من نفس السنة ، وهو ما أثار استغراب المتساكنين الذين تصدروا قرارا استعجاليا من المحكمة الابتدائية بتونس في ماي 2009 يرفض مطلب المكلف بنزاعات الدولة بإلزام المتساكنين بالإخلاء، وهو الحكم الذي أقرت المحكمة في الطور الاستئنافي يوم 31 اوت 2009 كما أن المحكمة الإدارية امرت في 11 افريل 2009 بوقف تنفيذ قرار رئيس البلدية القاضي بإخلاء المتساكنين.

كل هذه التطورات القانونية التي جاءت معاكسة لأفق انتظار البلدية والسلطة الجهوية ومن كان له مصلحة في استغلال الفضاء موضوع النزاع لم تمنع التدهور الخطير للأحداث ليكون يوم 12 جانفي الجاري" يوما اسودا" بالنسبة للأهالي عبروا عنه بالكلمات والدموع وهم يتحدثون إلينا.
المواطنة فوزية بوزنة (حرم عبدالعزيز الحاجي) ذكرت أنهم هدموا لها أربعة مساكن مسكنها ومسكن أبيها ومسكن اختها ومسكن ابنها ثم أجهشت بالبكاء وهي تصرخ الآن أنا لست تونسية لقد شردونا و أخضعوا أبنائي للتفتيش مثل المجرمين ، خلعوا علينا باب المسكن لم يحترموا شيخوخة ابي ومرض زوجي المصاب بالقلب وبجلطة دماغية ليس لنا ملابس انظر إنني ارتدي حذاء رجاليا استعرته من الجيران البلدية ادعت أنها عاينت البيت يوم 6 فيفري في حين إنني بت يوم 5 فيفري ليلا في عيادة خاصة صحبة زوجي الذي اصيب بجلطة فمن اين دخلوا البيت وعاينوه؟
اما راضية بالاسير (حرم منصف الفرتيني) فكشفت لنا عن الخدش الذي أصيبت به جراء اعتداء احد الأعوان الذين اقتحموا عليها المنزل وقالت سأحتفظ به للذكرى ماداموا يريدون محو ذكريات سبعين سنة قضيتها في هذا البيت ، لم تعد تذكر سوى مشهد أبنائها حفاة عراة يدفعون إلى حافلات البلدية دفعا وزوجها الذي أصيب بنزيف ، كانت تبكي وتطلب الموت وتردد لقد كسروا كل شئ حتى خزانة أمي التي يعود تاريخها إلى مائة سنة خلت.

لم يمنع البكاء المواطنة راضية من الإصرار على المطالبة بالتعويض المادي والمعنوي ، تعويض أكدته جارتها فاطمة بنت سليمان (حرم سمير الزائر) التي سخرت من التعويض المقترح من بلدية المكان وقالت "تصور أن تعرض علينا البلدية 90 مترا مقابل مسكننا ومسكن حماتي مساحتهما 320 مترا قبالة البحر" وأضافت فاطمة في اليوم الوطني للطفولة حرموا ابني من حقه في السكن وحرموا ابنتي من الدراسة رفضت ان تذهب إلى المعهد لان الأستاذ الذي يدرسها ليس سوى ابن المسؤول الأول الذي اشرف على عملية الهدم .

فاطمة عبرت عن شعورها بالقهر وهي لا تجد زوجها الذي تاه مصدوما في شوارع المدينة ولا تجد لباسا ولا أثاثا وتساءلت بكل حسرة السنا تونسيين السنا مسلمين...؟

ويبدو أن فاطمة لم تكن تدرك ان لا دخل لدين المتساكنين في الأمر فجارتهم اليهودية"ايلزبات بسيس" هدموا لها مسكنين دون تحذيرها او التنبيه عليها لأنها ببساطة تقيم في فرنسا وتأتي بين الحين والآخر فأين ما قالوا عنه من تنبيه..تساءلت جارتها منية بن هويدي (حرم خالد مصدق) مهندسة الإعلامية التي أكدت أنها عادت الى بيتها من المستشفى الذي اقامت فيه ليلة واحدة مع ابنها ذو الاربع سنوات فلم تجد شيئا لم تجد البيت ولا حواسيبها ولا حواسيب حرفائها "فقدت مصوغي ولباسي وأموالي وأدوات أبنائي المدرسية، وزوجي أصيب بصدمة "قالت منية التي طالبت بالكشف عن مصير ممتلكاتها وأصرت على التعويض المادي والمعنوي مثلما اكد ذلك كل متساكني "البراطل" الذي تضرروا من تصرف بلدية حلق الوادي مشيرين الى محاولة قلب الحقيقة الذي عمدت إليه بعض وسائل الإعلام الرسمية من خلال تصوير بعض عاملات الحضائر اللاتي أحضرتهن البلدية لتمرير الأمر على انه موافقة من السكان المالكين للمحلات المهدومة.

إلى هنا انتهت القصة التي رواها لنا متساكنو حي "البراطل" الذين أصبحوا مشردين لكن قصتهم مع البلدية لن تنتهي مثلما قالوا لأنهم لن يستسلموا وحتما سيكون في هذا البلد من ينصفهم مثلما انصفهم القانون ولو نظريا فهل من منصف ؟

سمير ساسي

المصدر جريدة الموقف عدد530 بتاريخ 22 جانفي 2010

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire